تدعم مؤسسة “دروسوس” المشاريع التي تستهدف تمكين الشباب والشابات. ما هي الصعوبات التي يتعرض لها الشباب والشابات في الوقت الحاضر؟
يشغل موضوع تعزيز إمكانات وطاقات الشباب والشابات مكانة محورية في إطار المساعي التي نضطلع بها منذ إنشاء مؤسسة “دروسوس”. ونحن نحرص على توفير الفرص التي تكفل للشباب والشابات الازدهار والنجاح وتطوير قدراتهم الشخصية وإدارة شؤون حياتهم. وفي الوقت الراهن، وبعد مُضي قرابة تسع عشرة سنة على إنشاء مؤسستنا، تكتسب هذه المساعي المزيد من الأهمية. وتشهد البيئة التي نعيش فيها تَغَيُّرات متوالية يشوبها قدر كبير من الغموض – ولاسيما في سياق البلدان التي نمارس فيها نشاطنا. وعلى سبيل المثال، يتعرض “لبنان” إلى اضطراب اقتصادي بمعدل تاريخي غير مسبوق، وهو ما تسبب في انعدام الآفاق الواعدة أمام الشباب والشابات على الصعيد المحلي. وتعاني العديد من البلدان التي نمارس نشاطنا فيها من غياب سوق عمل حقيقي يستوعب الأعداد الغفيرة من الشباب والشابات الحائزين على قسط من التعليم. ويضاف إلى هذه القضايا مسألة التمييز القائم بين الجنسين وأشكال التمييز الأخرى، فضلاً عن اتساع رقعة التحديات ذات الصلة بالصحة النفسية والعقلية والتي تسببت الجائحة في تفاقمها.
آفاق غير واعدة
يحفل المشهد بالتحديات جراء شعور الشباب والشابات بالعجز في كثير من الأحيان. كيف يتمكن الشباب والشابات من التطلع إلى آفاق مستقبلية بينما يعانون من إجحاف اجتماعي في كل يوم من حياتهم؟ ينجح المرء في اكتساب الثقة بالذات عند توفير فرص مُواتية تكفل بلوغ هذه الغاية – في حالة التمتع بالقدرة على الاستقلال في التصرف. وفي إطار مؤسسة “دروسوس”، نحرص على التكاتف مع المنظمات الشريكة وتوحيد جهودنا معها في سبيل إكساب الشباب والشابات الجرأة على الإيمان بأنفسهم وتمكينهم من استشراف آفاق مستقبلية تنطوي على فرص حقيقية. وبالرغم من هذه الصعوبات، تلوح في الأُفق إمكانية ابتكار أفكار جديدة وتطوير مسارات مهنية مستجدة. وعلى سبيل المثال، اكتسبت التقنيات الرقمية المزيد من الأهمية أثناء فترة الجائحة. وبالرغم من ذلك، شتَّان ما بين التعرف على سُبل توظيفها من ناحية واتقان تصميمها من ناحية أخرى. ويمكن أن يلتحق الكثير من الشباب والشبات بمسارات مهنية في هذا المجال في المستقبل. وفي إطار مؤسسة “دروسوس”، يمكننا اعتماد رؤية استشرافية استباقية من شأنها تعزيز الفرص القائمة عبر مجالات إبداعية وابتكارية من قبيل هذا المجال. وتقتضي الضرورة تهيئة بيئة اجتماعية مواتية وتوفير منظومة داعمة تكفل للشباب والشابات الإسهام في مجال التصميم وتطوير إمكاناتهم في هذا السياق. وفي نهاية المطاف، تهدف جميع هذه المساعي إلى تحقيق الشمول الاجتماعي بين صفوف الشباب والشابات.
ما هي المنهجيات التي تعتمدها مؤسسة “دروسوس” في سبيل التصدي إلى هذه التحديات؟
منذ إنشاء مؤسسة “دروسوس” في عام ٢٠٠٣، تَمَكّنا من إقامة علاقات شراكة متميزة وإطلاق مشاريع فعالة عبر جميع البلدان التي نمارس نشاطنا فيها. وتتمثل إحدى الاستراتيجيات الحيوية في هذا السياق في اعتماد نهج تمويلي يتوافق مع الاحتياجات الحالية والمستقبلية مع تعظيم التأثير الفعال والدائم الناتج عن هذا النهج قدر الإمكان. وبصفتي المديرالعام الجديد فقد أمعنت النظر في جوانب الأداء التي نُجيدها ومدى جاهزيتنا في مجابهة تحديات الوقت الراهن، بالإضافة إلى الجوانب التي يمكننا تحسينها وتطويرها. وقد طرحنا هذه القضايا للنقاش مع فريق العمل عبر كافة المناطق والأقاليم التي نمارس نشاطنا فيها وذلك في إطار عملية صياغة استراتيجية عام ٢٠٢١. وتوصلنا إلى نتيجة تُفيد بفعالية العديد من الجهود والمساعي التي نضطلع بها، بينما رصدنا الحاجة إلى المزيد من التطوير والتحسين في بعض المجالات. وتشمل مواطن القوة التي نتمتع بها تقاربنا مع السياق المحلي وتكاتفنا مع المنظمات الشريكة واعتمادنا نهج قائم على الشراكة. ولا نشترط أن توافينا المنظمات الشريكة بمقترحات مفاهمية مكتملة الأركان لكي نمنحها الموارد المالية المطلوبة في ضوء ذلك. نحن ننتهج عملية تعاونية تشترك في إطارها المنظمات الشريكة مع فريق عمل “دروسوس” في صياغة مقترحات مفاهيمية تدعم أهدافنا التمويلية وتتجاوب مع الاحتياجات المحلية. وبدلاً عن الاكتفاء بدعم المشاريع الفردية، ينصب تركيزنا أيضاً على تطوير وتعزيز قدرات المنظمات الشريكة. لقد رصدت العديد من الحالات التي ترغب فيها منظمات شريكة في الاضطلاع بمساعٍ طيبة، ولكنها تفتقر إلى المعارف أو الخبرات الواجب توافرها في مجالات محددة بحيث تؤتي الأفكار ثمارها. وبالتعاون مع المنظمات الشريكة، نقوم بتحليل المجالات الفردية وتحديد الفجوات قبل اتخاذ قرار مشترك بشأن نمط الدعم المطلوب والصيغ التي يمكن أن يتبلور فيها هذا الدعم. ونحرص على تقديم المساعدة إلى المنظمات – سواء بشكل مباشر أو عبر هيئات خدمية خارجية – بهدف معالجة الفجوات وتعزيز قدرة المنظمات، وهو ما يكفل بالتبعية استدامتها على المدى الطويل ودعم قدرتها على إحداث تغيير اجتماعي دائم. وعن طريق اعتماد هذا النهج، نضمن الاستدامة ونُساهم بشكل غير مباشر في تعزيز المنظومة في مجملها.
ما هي النتائج الجديدة التي ترتبت عن عملية صياغة هذه الاستراتيجية؟
أُعرب عن شعوري بالرضاء البالغ إزاء الجهود المتميزة التي نضطلع بها. وبالرغم من ذلك، يسعنا تحقيق المزيد من الانجازات، انطلاقاً من داخل المؤسسة عن طريق إيلاء المزيد من الاهتمام تجاه تبادل المعارف والاستفادة من بعضنا البعض، والسعي إلى اعتماد نمط تفكير يتميز بالمرونة والابتكارية. وتتمثل إحدى القضايا البارزة التي تم رصدها أثناء صياغة الاستراتيجية في ارتفاع معدلات البطالة بين صفوف الشباب والشابات في الغالبية العظمى من البلدان التي ندعمها. وتسببت جائحة “كوفيد-١٩” في تأزم هذا الوضع. وقد تضررت الشابات من هذا الوضع بمعدل مُجحف. ومن منظور مؤسسة “دروسوس”، يطرح هذا الوضع إشكالية ينبغي معالجتها بشكل عاجل. ومن هذا المنطلق، نتعهد بإيلاء المزيد من الاهتمام الجاد نحو تلبية المهارات المستقبلية التي يحتاج إليها الأطفال والنشء والشباب من الجنسين بما يكفل لهذه الفئات الحصول على موطئ قدم في سوق العمل. وتتفاوت هذه الاحتياجات بناء على اختلاف الشريحة العمرية ونوع الجنس والخلفية الاجتماعية والمستوى التعليمي والسياق المحلي. وربما يستدعي الوضع من طفل صغير يبلغ من العمر عشرة سنوات الحصول على المزيد من فرص التنمية الشخصية وتعزيز الثقة بالذات، بينما قد يستلزم الوضع من شاب يبلغ من العمر ثلاثين عاماً تلقي دعم محدد في تطوير فكرة مبتكرة وتحويلها إلى مشروع تجاري. وينصب تركيزنا في الوقت الراهن على هذه القضية مع المنظمات الشريكة خلال المرحلة التنفيذية الراهنة: كيف يمكننا مساعدة الشباب والشابات على الاستفادة من طاقاتهم وإمكاناتهم؟ كيف نتجاوب مع هذه المسألة على وجه التحديد في “مصر” و”ألمانيا” و”الأردن” و”لبنان” و”المغرب” و”فلسطين” و”سويسرا” و”تونس”؟ وبدلاً من إعادة تصميم الاستراتيجية التي نعتمدها في مجملها، نعكف على تنقيحها وتعديلها مع التركيز على تعظيم التأثير الفعال الناتج عنها قدر الإمكان. وعلى سبيل المثال، وفيما يتعلق بالجهود المبذولة في إطار المشاريع التي ندعمها، ينصب تركيزنا على توسيع نطاق التأثيرات الإيجابية، والتجاوب مع المشكلات بشكل متكامل، وإذكاء الوعي، والتصدي إلى الأسباب الجذرية الكامنة وراء العقبات القائمة.
ما هي دلالة هذه النتائج على منهجية الشراكة التي تعتمدها مؤسسة “دروسوس”؟
تحتل علاقات الشراكة صميم جميع المساعي التي نضطلع بها في الحاضر وفي المستقبل. وبالرغم من ذلك، نحن نرغب في تدعيم هذه الشراكات مع تعزيز الوعي تجاهها وإبداء المزيد من الاهتمام بها. وفي الوقت الراهن، نحرص في المقام الأول على التعاون مع المنظمات الشريكة، بما في ذلك على سبيل المثال مؤسسات المجتمع المدني الصغيرة والمتوسطة الحجم، والجمعيات الأهلية المحلية، وما إلى ذلك. ونحرص على استمرار هذا التعاون الذي يشكل قاعدة أساس ننطلق منها في المساعي التي نضطلع بها. وبالإضافة إلى ذلك، نرصد مقومات هائلة في تطوير وتعزيز علاقات شراكاتنا بما يُسهم في تشكيل منظومة بيئية تضم طائفة من المنظمات التنفيذية والداعمة والمؤثرة. ورهناً بالموضوعات والاحتياجات القائمة، يمكننا إشراك الأطراف المعنية الرئيسية الأخرى، بما في ذلك على سبيل المثال مؤسسات ومنظمات أخرى، وهو ما يُفسح المجال أمام مواءمة الخبرات ومصادر التمويل والمعارف والشبكات الداعمة بما يكفل تحقيق تأثير واسع النطاق. وعن طريق توثيق التعاون وتعزيز التبادل مع المنظمات البارزة ذات التأثير، يمكننا إذكاء الوعي بشأن التحديات التي تتعرض لها الفئات الشبابية التي تعاني التهميش. وتقتضي الضرورة بذل الجهود على مستوى النُظم بما يكفل التصدي إلى جوانب الإجحاف وإزالة الحواجز التي تحول دون تحقيق الشمول الاجتماعي طويل الأجل بين صفوف الشباب والشابات. ويتعذر في كثير من الأحيان تغيير نمط تفكير المجتمع بأكمله. وبالرغم من ذلك، نتمكن من إحراز تقدم هائل عندما يحالفنا النجاح في تغيير منظور المجتمع، على سبيل المثال، تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، وعندما نُسهم في تمكينهم من كسب قوت يومهم وتدبير سُبل حياتهم.
كيف تستشرفين الدور الذي تضطلع به مؤسسة “دروسوس” في المستقبل؟
نحن نبذل في الوقت الراهن جهود دؤوبة في سبيل تحسين صياغة الدور الذي نضطلع به في المستقبل, ووفق اعتقادي الشخصي، تقع على عاتقنا المسؤولية تجاه شحذ أفكارنا بما يؤدي بنا بشكل فعلي إلى تحديد الشبكات الداعمة التي من شأنها إحداث تغيير طويل المدى، مع دمج هذا التوجه ضمن الجهود المبذولة في إطار مشاريعنا وبرامجنا. ونظراً لأننا لا ننتمي إلى مصاف المنظمات السياسية ولا نحمل أي دوافع مستترة، يمكننا أن نُبادر إلى قيادة الجهود الرامية إلى إحداث تغيير منهجي على مستوى النُظم. وبالإضافة إلى ذلك، أعتقد أن بإمكاننا الاضطلاع بدورٍ هام في قطاع المؤسسات. وتُتاح إمكانات هائلة في هذا السياق تدفعنا إلى إعادة التفكير في القطاع الذي ننتمي إليه ومعاودة النظر في المنهجيات التي نعتمدها، مع المساهمة في إيجاد حلول جديدة تدعم إطلاق المبادرات التمويلية الاستشرافية والاستباقية بناء على وقائع فعلية. وفي إطار هذا القطاع، يتعين علينا أن نطرح التساؤلات التالية على أنفسنا: “هل نتصرف على غرار الأسلوب المتوقع من المنظمات الشريكة لنا؟” وفي إطار هذا القطاع وداخل هذه المنظمة، يسعنا تحقيق تأثير فعال. ويمكننا تحفيز وإلهام الأطراف الفاعلة الأخرى وإحداث تأثير إيجابي على المجتمع.